Selasa, 22 November 2011

الامام الحافظ تقي الدين السبكي

تقي الدين السبكي، الفقيه الشافعي الصوفي المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي اللغوي الأديب الحكيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار، يلقب "بشيخ الإسلام وقاضي القضاة"، (683 هـ - 756 هـ). وهو والد الفقيه تاج الدين السبكي.

نسبه

هو أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار ابن سليم السبكي, الخزرجي. الأنصاري.

مولده ونشأته

ولد الإمام في قرية سبك الأحد من أعمال المنوفية في مصر وكانت تسمى بـ "سبك العبيد"، وذلك في أول من شهر صفر سنة 683 هـ، كان والده أبو محمد عبد الكافي بن علي السبكي فقيهًا صالحًا دينًا كثير الذكر وكان من نواب شيخ الإسلام ابن دقيق العيد في القضاء، وأما ابنه شيخ الإسلام علي بن عبد الكافي فقد قرأ القرآن الكريم وتفقه على يد والده، واعتني به والده غاية الاعتناء ليتفرغ في طلب العلم.

سيرته العلمية

كان الإمام تقي الدين علي بن عبد الكافي كثير السفر في طلب العلم ما بين مصر في القاهرة إلى الشام والحجاز والتقى بكثير من كبار الشيوخ في عصره في تلك البلدان، وكتب بخطه وقرأ الكثير من الكتب على يد الشيوخ من الأجزاء والمسانيد، وخرّج وانتقى على كثير من شيوخه، وحدّث في القاهرة، والشام، وسمع منه الحفّاظ وخرّج له الحفاظ. تولى القضاء سنة 793 هـ وذلك حيث طلبه السلطان الناصر محمد بن قَلاوون حيث عرض عليه قضاء الشام بعد وفاة الشيخ جلال الدين القزويني فأبى، فلم يزل السلطان يكلمه في القضاء إلى أن ألزمه بها بعد جهد طويل فقبل القضاء في الشام.

صفته

كان الإمام تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي جميل الصورة، بهي الطلعة، عليه جلالٌ ووقار، ومهابةٌ وافرةٌ، قال تلميذه الصفدي: " فمٌ بسامٌ، ووجهٌ بينَ الجمالِ والجلال قسّام"، وقال ابن فضل الله: "جبينٌ كالهلال، ووقارٌ عليه سِيما الجلال".

وكان من الدين والتقوى والورع والعبادة وسلوك سبيل الأقدمين على قدم عظيمة، مع غاية الكرم والسخاء والحِلم، فلم ينتقم لنفسه قط، بل يصفح ويعفو ويرعى الو، شديد الحياء متواضعًا، في غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث ولو على لسان أحدِ المستفيدين منه، ولم يُسمَعْ يَغتابُ أحدًا قط، من الأعداء ولا من غيرهم. وكان زاهدًا في الدنيا لا يستكثر على أحد منها شيئا مُقْبلا بكُلِّيته على الآخرة، قليلَ الطعام والمنام، زهيدَ الملبس، مُعرضًا عن الخلق، متوجهًا إلى الحق، دائم التلاوة والذكر والتهجّد، كثيرَ المراقبة لدخائل النفس، منتصرًا للحق لا يحابي فيه أحدًا، وقد لقي بسبب ذلك شدائد كثيرة.

وكان كثير المحبة للصالحين والأولياء، متأدبًا مع العلماء، المتقدمين منهم والمتأخرىن، كثير التعظيم للصوفية والمحبة لهم، ويقول : "طريق الصوفي إذا صحت هي طريقة الرشاد التي كان السَّلفُ عليها".

وكان الشيخ نادرةَ العصر في الإحاطة بفنون العلم وسَعةِ الإطلاع، ضاربًا بسهمه في مختلف العلوم الشرعية وكذلك العلوم الأخرى كالدب واللغة والتاريخ والحساب وغيرها، مع البراعة والتحقيق، أما في البحثُ والتحقيقُ وحسنُ المناظرة فقد كان أستاذَ زمانه، وفارسَ ميدانه ولا يختلف عليه اثنان في أنه البحر الذي لا يُساجلُ في ذلك، وكان من كبار أعلام المذهب معرفةً واطلاعًا وتحريرًا وتدقيقًا، حيث شرح المنهاج وكمّل كتاب " المجموع شرح المهذب" وتخرّج على يديه من كبار الأئمة في المذهب كالإسنوي والبُلقيني وابن النقيب المصري وابن الملقن وغيرهم.

حتى أن له معرفة بجميع المذاهب الأخرى إلى أن أصبح إمامًا مجتهدًا، وكان آيةً في استحضار التفسير، ومتون الأحاديث وعزوها، ومعرفة العِللِ وأسماء الرجالِ، وتراجمِهم، ووفياتهم، ومعرفةِ العالي والنازل، والصحيح والسقيم، وعجيب الاستحضار وللمغازي والسِّيَر والأنساب، والجرح والتعديل، آيةً في استحضار مذهبِ الصحابةِ والتابعينَ وفِرَق العلماء.

شيوخه

  • الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الجَزَري وقد أخذ عنه علم الكلام.
  • نجم الدين بن الرّفعة، شيخ الشافعية في زمانه، وقد أخذ عنه الفقه.
  • الحافظ شرف الدين الدمياطي، وقد أخذ عنه الحديث ولازمه كثيرًا حتى وفاته.
  • الحافظ سعد الدين الحارثي الحنبلي.
  • أبو حيّان الأندلسي، وقد أخذ عنه النحو.
  • صحبَ في التصوف ابن عطاء الله السكندري المرشد الكبير.

تلاميذه

  • جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوى (ت772هـ) من أعلام مذهب الشافعي.
  • سراج الدين عمر بن رسْلان البُلقيني (ت805هـ).
  • مجد الدين الفَيْروزآبادي (ت817هـ)، الإمام اللغوي صاحب المعجم العربي الكبير والمعروف بـ(القاموس المحيط).
  • الحافظ عبد الرحيم العراقي، (توفي 806 هـ).
  • القاضي صلاح الدين الصّفدي (ت746هـ).

أقوال العلماء فيه

  • قال جلال الدين السيوطي: وكان الشيخ تاجُ الدين ابن عطاء الله يحضرُ مجلسَ وعظ الأئمة مثل الشيخ تقي الدين السبكي إمام وقته، تفسيرًا وحديثًا وفقهًا وكلامًا وأصولاً ومنقولاً ومعقولاً، بل المجتهدُ الذي لم يأتِ بعدهُ مثله، ولا قبلَه من دهر طويل[1].
  • قال الحافظ الذهبي في ترجمته: القاضي الإمام العلاّمة الفقيه المحدّث الحافظ فخر العلماء تقي الدين أبو الحسن السُّبكي... كان صادقًا متثبّتًا خيّرًا ديّنًا متواضعًا، حسن السّمت، من أوعيةِ العلم، يدري الفقهَ ويُقررهُ، وعِلمَ الحديثِ ويُحرّرهُ، والأصولَ ويُقرئُها، والعربيةَ ويحققُها...وصنَّفَ التصانيف المتقنة، وقد بقيَ في زمانه الملحوظ إليه بالتحقيق والفضل، سمعتُ منه وسمع مني، وحكم بالشام وحُمِدَتْ أحكامُه، والله يؤيّدُهً ويسدّده[2].
  • قال الحافظ صلاح الدين العلائي: الناسُ يقولون: ما جاء بعدَ الغزالي مثله، وعندي أنهم يظلمونه بهذا، ما هو عندي إلا مثل سفيان الثوري[3].

مؤلفاته

بلغت مؤلفات الشيخ تقي الدين السبكي العشرات في كل فنٍ من العلوم الشريعة، منه المطبوع منه المخطوط، حتى أنها بلغت 211 مؤلفا، منها:

  • الاعتبار ببقاء الجنة والنار.
  • السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل.
  • غيرة الإيمان الجلي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
  • سببُ الانكفاف عن إقراء الكشاف.
  • ثلاثيات مسند الدارمي.
  • الابتهاج في شرح المنهاج.
  • بيان الأدلة في إثبات الأهلة.
  • لاعتصام بالواحد الأحد من إقامة الجمعتين في البلد.
  • أجوبة أهل مصرَ حولَ "تهذيب الكمال" للمزّي.
  • تعدد الجمعة وهل فيه متسع.
  • تقييدُ التراجيح في صلاة التراويح.
  • الفتاوى الكبرى.
  • فتوى أهل الإسكندرية.
  • فتوى العراقية.
  • السيف المسلول على من سبّ الرسول.
  • فتوى في حديث (كل مولود يولد على الفطرة).

وفاته

بدأ في الإمام تقي الدين السّبكي المرض وبدأ فيه الضعف في سنة 755 هـ، واستمر به الحال على مرضه في دمشق إلى أن ولي ابنه الإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، فمكث في دمشق عدة شهور ثم سافر تقي الدين علي السبكي إلى مصر، فودعه الناس والقلوب متلهفة من حوله تخشى عليه وعثاء السفر مع الكبر والضعف والمرض.

فوصل إلى مصر وأقام بها دون عشرين يومًا ففي ليلة الاثنين الثالث من جمادى الآخرة سنة 756 هـ فاضت روح الشيخ تقي الدين السبكي عن عمر 73 سنة. فنادي منادٍ في المدينة أن قد مات آخر المجتهدين، مات عالم الزمان، ثم حمل العلماء نعشه، فازدحم الخلق وسار به السائرون حتى دفن بمقبرة سعيد السُّعداء خارج باب النصر