مسالك الحنفا في والدي المصطفى للامام السيوطى
________________________________________
سأبدأ يا اخوان فى سرد كلام الامام جلال الدين السيوطى فى مسأله نجاه والدى المصطفى سيدنا عبد الله وسيدتنا امنه من كتابه :
الحاوي للفتاوي لجلال الدين السيوطي رحمه الله
الجزء الثاني.
الفتاوى الأصولية الدينية.
مبحث المعاد.
أحوال البعث.
مسالك الحنفا في والدي المصطفى
وسأقوم بسرده فى مداخلات منظمه لنعلم قدر والدى الحبيب المصطفى اسأل الله ان يعم الخير على الجميع
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
مسألة - الحكم في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم إنهما ناجيان وليسا في النار صرح بذلك جمع من العلماء، ولهم في تقرير ذلك مسالك:
المسلك الأول:
أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقد أطبقت أئمتنا الأشاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا وأنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه وسائر الأصحاب بل زاد بعض الأصحاب وقال أنه يجب في قتله القصاص ولكن الصحيح خلافه لأنه ليس بمسلم حقيقي وشرط القصاص المكافأة. وقد علل بعض الفقهاء كونه إذا مات لا يعذب بأنه على أصل الفطرة ولم يقع منه عناد ولا جاءه رسول فكذبه.
وهذا المسلك أول ما سمعته في هذا المقام الذي نحن فيه من شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي فإنه سئل عن والد النبي صلى الله عليه وسلم هل هو في النار فزأر في السائل زأرة شديدة فقال له السائل هل ثبت إسلامه فقال إنه مات في الفترة ولا تعذيب قبل البعثة، ونقله سبط ابن الجوزي في كتاب مرآة الزمان عن جماعة فإنه حكى كلام جده على حديث إحياء أمه صلى الله عليه وسلم ثم قال ما نصه: وقال قوم
قد قال الله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) والدعوة لم تبلغ أباه وأمه فما ذنبهما. وجزم به الأبي في شرح مسلم وسأذكر عبارته.
وقد ورد في أهل الفترة أحاديث أنهم يتمحنون يوم القيامة وآيات مشيرة إلى عدم تعذيبهم وإلى ذلك مال حافظ العصر شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر في بعض كتبه فقال:
((والظن بآله صلى الله عليه وسلم يعني الذين ماتوا قبل البعثة أنهم يطيعون عند الامتحان إكراما له صلى الله عليه وسلم لتقربهم عينه.))
ثم رأيته قال في الإصابة: ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ومن مات في الفترة ومن ولد أكمه أعمى أصم ومن ولد مجنونا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ونحو ذلك أن كلا منهم يدلي بحجة ويقول لو عقلت أو ذكرت لآمنت فترفع لهم نار ويقال أدخلوها فمن دخلها كانت له بردا وسلاما ومن امتنع أدخلها كرها هذا معنى ما ورد من ذلك.
قال: وقد جمعت طرقه في جزء مفرد قال ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعا فينجو إلا أبا طالب فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن وثبت أنه في ضحضاح من نار، وقد جعلت قصة الامتحان داخلة في هذا المسلك مع أن الظاهر أنها مسلك مستقل لكني وجدت ذلك لمعنى دقيق لا يخفى على ذوي التحقيق.
(ذكر الآيات المشيرة إلى ذلك):
الآية الأولى:
قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وهذه الآية هي التي اطبقت أئمة السنة على الاستدلال بها في أنه لا تعذيب قبل البعثة وردوا بها على المعتزلة ومن وافقهم في تحكم العقل. أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن قتادة في قوله (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) قال إن الله ليس بمعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبر أو تأتيه من الله بينة.
الآية الثانية:
قوله تعالى (ذلك إن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) أورد هذه الآية الزركشي في شرح جمع الجوامع استدلالا على قاعدة أن شكر المنعم ليس بواجب عقلا بل بالسمع.
الآية الثالثة:
قوله تعالى (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين)
أورد هذه الزركشي أيضا. وأخرج ابن أبي خاتم في تفسيره عند هذه الآية بسند حسن عن أبي سعيد الخدري
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الهالك في الفترة يقول رب لم يأتني كتاب ولا رسول ثم قرأ هذه الآية (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين).
الآية الرابعة:
قوله تعالى (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى).
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية عن عطية العوفي قال الهالك في الفترة يقول رب لم يأتني كتاب ولا رسول وقرأ هذه الآية لو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا - إلى آخر الآية.
الآية الخامسة:
قوله تعالى (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا).
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس وقتادة في الآية قالا لم يهلك الله ملة حتى يبعث إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم فلما كذبوا وظلموا بذلك هلكوا.
الآية السادسة:
قوله تعالى (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين).
الآية السابعة:
قوله تعالى ( وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين). أخرج عبد بن حميدو ابن المنذر وابن أبي حاتم في تفاسيرهم عن قتادة في الآية قال ما أهلك الله من قرية إلا من بعد الحجة والبينة والعذر حتى يرسل الرسل وينزل الكتب تذكرة لهم وموعظة وحجة لله ذكرى وما كنا ظالمين. يقول ما كنا لنعذبهم إلا من بعد البينة والحجة. الثامنة: قوله تعالى (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم وما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) قال المفسرون احتج عليهم ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو المراد بالنذير في الآية.
(ذكر الأحاديث الواردة في أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم أدخل الجنة ومن عصى أدخل النار) :
الحديث الأول:
أخرج الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية في مسنديهما والبيهقي في كتاب الاعتقاد وصححه عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة يمتحنون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما اسمع شيئا وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن أدخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها.
الحديث الثاني:
أخرج أحمد وإسحاق بن راهوية في مسنديهما وابن مردويه في تفسيره والبيهقي في الاعتقاد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة يمتحنون فذكر مثل حديث الأسود بن سريع سواء.
الحديث الثالث:
أخرج البزار في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود فيقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول ويقول المعتوه أي رب لم أجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا. ويقول المولود لم أدرك العمل قال فيرفع لهم؟ فيقال لهم ردوها أو قال ادخلوها فيدخلها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك؟ ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل فيقول تبارك وتعالى واياي عصيتم فكيف برسلي بالغيب، في إسناده عطية العوفي فيه ضعف والترمذي يحسن حديثه وهذا الحديث له شواهد تقتضي الحكم بحسنه وثبوته.
الحديث الرابع:
أخرج البزار وأبو يعلى في مسنديهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بأربعة يوم القيام بالمولود والمعتوه ومن مات الفترة وبالشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الله تبارك وتعالى لعنق من جهنم أبرزي فيقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه فيقول من كتب الله عليه الشقاء يا رب أتدخلناها ومنها كنا نفرق ومن كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها مسرعا فيقول الله قد عصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار.
الحديث الخامس:
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم تأتنا رسل قال وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه. قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) إسناده صحيح على شرط الشيخين ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع.
الحديث السادس:
أخرج البزار والحاكم في مستدركه عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم وعلى ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا لك أمر ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك فيقول لهم ربهم أريتكم أن أمرتكم بأمر تطيعوني فيقولون نعم فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنم فيدخولها فينطلقون حتى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيظا وزفيرا فرجعوا إلى ربهم فيقولون ربنا أجرنا منها فيقول لهم الم تزعموا أني أن أمرتكم بأمر تطيعوني فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيقول اعمدوا إليها فادخلوها فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا ورجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها ولا نستطيع أن ندخلها فيقول ادخلوها داخرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو دخلوها أول مرة كانت عليم بردا وسلاما قال الحاكم صحيح على شرط البخاري ومسلم.
الحديث السابع:
أخرج الطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يأتي يوم القيامة بالممسوخ عقلا وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوخ عقلا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك فيقول الرب إني آمركم بأمر فتطيعون فيقولون نعم فيقول اذهبوا فادخلوا النار قال ولو دخلوها ما ضرتهم فتخرج عليهم فرائص فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك فيقول الرب قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلى علمي خلقتكم وإلى علمي تصيرون ضميهم فتأخذهم.
قال الكيا الهراسي في تعليقه في الأصول في مسألة شكر المنعم:
اعلم أن الذي استقر عليه آراء أهل السنة قاطبة أنه لا مدرك للأحكام سوى الشرع المنقول ولا يتلقى حكم من قضيات العقول فأما من عدا أهل الحق من طبقات الخلق كالرافضة والكرامية والمعتزلة وغيرهم فإنهم ذهبوا إلى أن الأحكام منقسمة فمنها ما يتلقى من الشرع المنقول ومنها ما يتلقى من قضيات العقول قال: وأما نحن فنقول لا يجب شيء قبل مجيء الرسول فإذا ظهر واقام المعجزة تمكن العاقل من النظر فنقول لا يعلم أول الواجبات إلا بالسمع فإذا جاء الرسول وجب عليه النظر وعند هذا يسأل المستطرفون فيقولون ما الواجب الذي هو طاعة وليس بقربة وجوابه أن النظر الذي هو أول الواجبات طاعة وليس بقربة لأنه ينظر للمعرفة فهو مطيع وليس بمتقرب لأنه إنما يتقرب إلى من يعرفه، قال وقد ذكر شيخنا الإمام في هذا المقام شيئا حسنا فقال قبل مجيء الرسول تتعارض الخواطر والطرق إذ ما من خاطر يعرض له إلا ويمكن أن يقدر أن يخطر خاطر آخر على نقيضه فتتعارض الخواطر ويقع العقل في حيرة ودهشة فيجب التوقف إلى أن تنكشف الغمة وليس ذلك إلا بمجيء الرسول وههنا قال الأستاذ أبو إسحاق أن قول لا أدري نصف العلم ومعناه أنه انتهى علمي إلى حد وقف عند مجازه العقل وهذا إنما يقوله من دقق في العلم وعرف مجاري العقل مما لا يجري فيه ويقف عنده انتهى.
وقال الإمام فخر الدين الرازي في المحصول:
شكر المنعم لا يجب عقلا خلافا للمعتزلة لنا أنه لو تحقق الوجوب قبل البعثة لعذب تاركه فلا وجوب أما الملازمة فبينة وأما أنه لا تعذيب فلقوله سبحانه ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) نفى التعذيب إلى غاية البعثة فينتفي وإلا وقع الخلف في قول الله وهو محال انتهى. وذكر أتباعه مثل ذلك كصاحب الحاصل والتحصيل والبيضاوي في منهاجه.
وقال القاضي تاج الدين السبكي في شرح مختصر ابن الحاجب على مسألة شكر المنعم تتخرج مسألة من لم تبلغه الدعوة فعندنا يموت ناجيا ولا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وهو مضمون بالكفارة والدية ولا يجب القصاص على قاتله على الصحيح. وقال البغوي في التهذيب أما من لم تبلغه الدعوة فلا يجوز قتله قبل أن يدعى إلى الإسلام فإن قتل قبل أن يدعي إلى الإسلام وجب في قتله الدية والكفارة وعند أبي حنيفة لا يجب الضمان بقتله وأصله أنه عندهم محجوج عليه بعقله وعندنا هو غير محجوج عليه قبل بلوغ الدعوة إليه لقوله (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) فثبت أنه لا حجة عليه قبل مجيء الرسول انتهى. وقال الرافعي في الشرح من لم تبلغه الدعوة لا يجوز قتله قبل الإعلام والدعاء إلى الإسلام ولو قتل كان مضمونا خلافا لأبي حنيفة وبني الخلاف على أنه محجوج عليه بالعقل عنده وعندنا من لم تبلغه الدعوى لا تثبت عليه الحجة ولا تتوجه المؤاخذة قال تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) انتهى.
وقال الغزال في البسيط من لم تبلغه الدعوة يضمن بالدية والكفارة لا بالقصاص على الصحيح لأنه ليس مسلما على التحقيق وإنما هو في معنى المسلم. وقال ابن الرفعة في الكفاية لأنه مولود على الفطرة ولم يظهر منه عناد. وقال النووي في شرح مسلم في مسألة أطفال المشركين المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون أنهم في الجنة لقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) قال وإذا كان لا يعذب البالغ لكونه لم تبلغه الدعوة فغيره أولى. انتهى فإن قلت هذا المسلك الذي قررته هل هو عام في أهل الجاهلية كلهم. قلت لا بل هو خاص بمن لم تبلغه دعوة نبي أصلا. أما من بلغته منهم دعوة أحد من الأنبياء السابقين ثم أصر على كفره فهو في النار قطعا وهذا لا نزاع فيه.
وأما الأبوان الشريفان فالظاهر من حالهما ما ذهبت إليه هذه الطائفة من عدم بلوغهما دعوة أحد وذلك لمجموع أمور تأخر زمانهما وبعد ما بينهما وبين الأنبياء السابقين فإن آخر الأنبياء قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم عيسى عليه السلاموكانت الفترة بينه وبين بعثة نبينا نحو ستمائة سنة ثم أنهما كانا في زمن جاهلية وقد طبق الجهل الأرض شرقا وغربا وفقد من يعرف الشرائع ويبلغ الدعوة على وجهها إلا نفرا يسيرا من أحبار أهل الكتاب مفرقين في أقطار الأرض كالشام وغيرها ولم يعهد لهما تقلب في الأسفار سوى إلى المدينة ولا عمرا عمرا طويلا بحيث يقع لهما فيه التنقيب والتفتيش فإن والد النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش من العمر إلا قليلا.
قال الإمام الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه الدرة السنية في مولد سيد البرية:
كان سن عبد الله حين حملت منه آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثمانية عشر عاما ثم ذهب إلى المدينة ليمتار منها تمرا لأهله فمات بها عند أخواله من بني النجار والنبي صلى الله عليه وسلم حمل على الصحيح انتهى. وأمه قريبة من ذلك لاسيما وهي امرأة مصونة محجبة في البيت عن الاجتماع بالرجال والغالب على النساء أنهن لا يعرفن ما الرجال فيه من أمر الديانات والشرائع خصوصا في زمان الجاهلية الذي رجاله لا يعرفون ذلك فضلا عن نسائه. ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم تعجب من بعثته أهل مكة وقالوا أبعث الله بشرا رسولا. وقالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. فلو كان عندهم علم من بعثة الرسل ما أنكروا ذلك وربما كانوا يظنون أن إبراهيم بعث بما هم عليه فإنهم لم يجدو من يبلغهم شريعة إبراهيم على وجهها لدثورها وفقد من يعرفها إذ كان بينهم وبين زمن إبراهيم أزيد من ثلاثة آلاف سنة فاتضح بذلك صحة دخولهما في هذا المسلك.
ثم رأيت الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال في أماليه ما نصه كل نبي إنما أرسل إلى قومه إلا نبينا صلى الله عليه وسلم قال فعلى هذا يكون ما عدا قوم كل نبي من أهل الفترة إلا ذرية النبي السابق فإنهم مخاطبون ببعثة السابق إلا أن تدرس شريعة السابق فيصير الكل من أهل الفترة. هذا كلامه فبان بذلك أن الوالدين الشريفين من أهل الفترة بلا شك لأنهما ليسا من ذرية عيسى ولا من قومه ثم يرشح ما قال حافظ العصر أبو الفضل بن حجر أن الظن بهما أن يطيعا عند الامتحان
أمران أحدهما: ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه عن ابن مسعود قال قال شاب من الأنصار لم أر رجلا كان أكثر سؤالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه يا رسول الله أرأيت أبواك في النار فقال ما سألتهما ربي فيطيعني فيهما وإني لقائم يومئذ المقام المحمود. فهذا الحديث يشعر بأنه يرتجي لهما الخير عند قيامه المقام المحمود وذلك بأن يشفع لهما فيوفقا للطاعة إذا امتحنا حينئذ كما يمتحن أهل الفترة ولا شك في أنه يقال له عند قيامه ذلك المقام سل تعط واشفع تشفع مكان في الأحاديث الصحيحة فإذا سأل ذلك أعطيه.
الأمر الثاني: ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال من رضا محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار. ولهذا عمم الحافظ ابن حجر في قوله الظن بآل بيته كلهم أن يطيعوا عند الامتحان.
وحديث ثالث: أخرج أبو سعد في شرف النبوة والملا في سيرته عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت ربي أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي فأعطاني ذلك أورده الحافظ محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى.
وحديث رابع أصرح من هذين: أخرج تمام الرازي في فوائده بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية- أورده المحب الطبري وهو من الحفاظ والفقهاء في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى وقال إن ثبت فهو مؤول في أبي طالب على ما ورد في الصحيح من تخفيف العذاب عنه بشفاعته انتهى.
وإنما احتاج إلى تأويله في أبي طالب دون الثلاثة أبيه وأمه وأخيه يعني من الرضاعة لأن أبا طالب أدرك البعثة ولم يسلم والثلاثة ماتوا في الفترة. وقد ورد هذا الحديث من طريق آخر اضعف من هذا الطريق من حديث ابن عباس أخرجه أبو نعيم وغيره وفيه التصريح بأن الأخ من الرضاعة.
فهذه أحاديث عدة يشد بعضها بعضا فإن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة طرقه وأمثلها حديث ابن مسعود فإن الحاكم صححه.
ومما يرشح ما نحن فيه ما أخرجه ابن أبي الدنيا قال ثنا القاسم بن هاشم السمسار ثنا مقاتل بن سليمان الرملي عن ابي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سالت ربي أبناء العشرين من أمتي فوهبهم لي. ومما ينضم إلى ذلك وأن لم يكن صريحا في المقصود ما أخرجه الديلمي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من أشفع له يوم القيامة أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب، وما أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى وعزاه لأحمد في المناقب عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم. وهذا أخرجه الخطيب في تاريخه من حديث يغنم عن أنس.
وما أورده أيضا وعزاه لابن البختري عن جابر ابن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا ينتفع بلى حتى تبلغ حاكم وهم أحد قبيلتين من اليمن إني لأشفع فأشفع حتى أن من أشفع له ليشفع فيشفع حتى أن إبليس ليتطاول طمعا في الشفاعة.))
ونحو هذا ما أخرجه الطبراني من حديث أم هاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وأن شفاعتي تناول حاوحكم.))
نقل الزركشي في الخادم عن ابن دحية أنه جعل من أنواع الشفاعات التخفيف عن أبي لهب في كل يوم اثنين لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وأعتاقه ثويبة حين بشر به. قال وإنما هي كرامة له صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: ثم رأيت الإمام أبا عبد الله محمد بن خلف الأبي بسط الكلام على هذه المسألة في شرح مسلم عند حديث إن أبي واباك في النار فأورد قول النووي فيه أن من مات كافرا في النار ولا تنفعه قرابة الأقربين ثم قال قلت أنظر هذا الإطلاق وقد قال السهيلي ليس لنا أن نقول ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات. وقال تعالى ( إن الذين يؤذون الله ورسوله) ولعله يصح ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم سأل الله سبحانه فأحيا له أبويه فآمنا به ورسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا ولا يعجز الله سبحانه شيء ثم أورد قول النووي وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان في النار وليس هذا من التعذيب قبل بلوغ الدعوة لأنه بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الرسل. ثم قال قلت تأمل ما في كلامه من التنافي فإن من بلغتهم الدعوى ليسوا بأهل فترة فإن أهل الفترة هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني كالإعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى ولا لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم والفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم. ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة علمنا أنهم غير معذبين، فإن قلت صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كصاحب المحجن وغيره. قلت أجاب عن ذلك عقيل بن أبي طالب بثلاثة أجوبة: الأول: أنها أخبار آحاد فلا تعارض القاطع. الثاني قصر التعذيب على هؤلاء والله أعلم. الثالث قصر التعذيب المذكور في هذه الأحاديث على من بدل وغير الشرائع وشرع من الضلال ما لا يعذر به فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام:
القسم الأول :
من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء من لم يدخل في شريعته كقس بن ساعدة وزيد ابن عمرو بن نفيل ومنهم من دخل في شريعة حق قائمة الرسم كتبع وقومه.
القسم الثاني :
من بدل وغير وأشرك ولم يوحد وشرع لنفسه فحلل وحرم وهم الأكثر كعمرو بن لحي أول من سن للعرب عبادة الأصنام وشرع الأحكام فبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي وزادت طائفة من العرب على ما شرعه أن عبدوا الجن والملائكة وحرقوا البنين والبنات واتخذوا بيوتا جعلوا لها سدنة وحجابا يضاهون بها الكعبة كاللات والعزى ومناة.
القسم الثالث :
من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينا بل بقي عمره على حال غفلة عن هذا كله وفي الجاهلية من كان كذلك.
فإذا انقسم أهل الفترة إلى الثلاثة الأقسام فيحمل من صح تعذيبه على أهل القسم الثاني لكفرهم بما لا يعذبون به. وأما القسم الثالث فهم أهل الفترة حقيقة وهم غير معذبين للقطع كما تقدم. وأما القسم الأول فقد قال صلى الله عليه وسلم في كل من قس وزيد أنه يبعث أمة وحده. وأما تبع ونحوه فحكمهم حكم أهل الدين الذين دخلوا فيه ما لم يلحق أحد منهم الإسلام الناسخ لكل دين انتهى ما أورده الآبي.
(المسلك الثاني):
أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم عليه السلام كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة منهم الإمام فخر الدين الرازي: فقال في كتابه أسرار التنزيل ما نصه. قيل إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه: منها أن آباء الأنبياء ما كانوا كفارا ويدل عليه وجوه: منها قوله تعالى ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين قيل معناه أنه كان ينقل نوره من ساجد إلى ساجد وبهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلى الله عليه وسلم كانوا مسلمين وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم ما كان من الكافرين إنما ذاك عمه أقصى ما في الباب أن يحمل قوله تعالى- (وتقلبك في الساجدين) على وجوه أخرى. وإذا وردت الروايات بالكل ولا منافاة بينها وجب حمل الآية على الكل ومتى صح ذلك ثبت أن والد إبراهيم ما كان من عبدة الأوثان ثم قال: ومما يدل على أن آباء محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا مشركين قوله عليه السلام لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات. وقال تعالى (إنما المشركون نجس) فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركا. هذا كلام الإمام فخر الدين بحروفه وناهيك به إمامة وجلالة فإنه أمام أهل السنة في زمانه والقائم بالرد على فرق المبتدعة في وقته والناصر لمذهب الأشاعرة في عصره وهو العالم المبعوث على رأس المائة السادسة ليجدد لهذه الأمة أمر دينها.
وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه الإمام فخر الدين أمور:
أحدها دليل استنبطته مركب من مقدمتين: الأولى أن الأحاديث الصحيحة على أن كل أصل من أصول النبي صلى الله عليه وسلم من آدم إلى أبيه عبد الله فهو من خير أهل قرنه وأفضلهم. والثانية أن الأحاديث والآثار دلت على انه لم تخل الأرض من عهد نوح أو آدم إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ثم إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له وبهم تحفظ الأرض ولولاهملهلكت الأرض ومن عليها. وإذا قارنت بين هاتين المقدمتين أنتج منها قطعا أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيهم مشرك لأنه قد ثبت في كل منهم أنه من خير قرنه فإن كان الناس الذين هم على الفطرة هم إياهم فهو المدعي وأن كانوا غيرهم وهم على الشرك لزم أحد أمرين إما أن يكون المشرك خيرا من المسلم وهو باطل بالإجماع وإما أن يكون غيرهم خيرا منهم وهو باطل لمخالفة الأحاديث الصحيحة فوجب قطعا أن لا يكون فيهم مشرك ليكونوا من خير أهل الأرض كل في قرنه.
(ذكر أدلة المقدمة الأولى):
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه.
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا.
واخرج أبو نعيم في دلائل النبوة من طرق عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تنشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما.
وأخرج مسلم والترمذي وصححه عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. وقد أخرجه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في فضائل العباس من حديث واثلة بلفظ أن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتخذه خليلا واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزار ثم اصطفى من ولد نزار مضر ثم اصطفى من مضر كنانة ثم اصطفى من كنانة قريشا ثم اصطفى من قريش بني هاشم ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب ثم اصطفاني من بني عبد المطلب أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى.
وأخرج ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير العرب مضر وخير مضر بنو عبد مناف وخير عبد مناف بنو هاشم وخير بني هاشم بنو عبد المطلب والله ما افترق فرقتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما.
وأخرج الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريشا واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم فأنا من خيار إلى خيار.
وأخرج الترمذي وحسنه والبيهقي عن ابن عباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حين خلقني جعلني من خير خلقه ثم حين خلق القبائل جعلني من خيرهم قبيلة وحين خلق النفس جعلني من خير أنفسهم ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا.
وأخرج الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا.
وأخرج أبو علي بن شاذان فيما أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى وهو في مسند البزار عن ابن عباس قال دخل ناس من قريش على صفية بنت عبد المطلب فجعلوا يتفاخرون ويذكرون الجاهلية فقالت صفية منا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا تنبت النخلة أو الشجرة في الأرض الكبا فذكرت ذلك صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب وأمر بلالا فنادى في الناس فقام على المنبر فقال أيها الناس من أنا قالوا أنت رسول الله قال أنسبوني قالوا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قال فما بال أقوام ينزلون أصلي فو الله إني لأفضلهم أصلا وخيرهم موضعا.
وأخرج الحاكم عن ربيعة بن الحارث قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن قوما نالوا منه فقالوا إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كناس فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين فجعلني في خير الفرقتين ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلا ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا ثم قال أنا خيركم قبيلا وخيركم بيتا.
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد ولم أجد نبي أب أفضل من بني هاشم. قال الحافظ ابن حجر في أماليه لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن ومن المعلوم أن الخيرية والاصطفاء والاختيار من الله والأفضلية عنده لا تكون مع الشرك.
(ذكر أدلة المقدمة الثانية):
قال عبد الرزاق في المصنف عن معر عن ابن جريج قال: قال ابن المسيب قال علي بن أبي طالب لم يزل على وجه الدهر في الأرض سبعة مسلمون فصاعدا فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع. وقد أخرجه ابن المنذر في تفسيره عن الذبري عن عبد الرزاق به.
وأخرج ابن جرير في تفسيره عن شهر بن حوشب قال لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض وتخرج بركتها إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده.
وأخرج ابن المنذر في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى (قلنا اهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي - الآية) قال ما زال لله في الأرض أولياء منذ هبط آدم ما أخلى الله الأرض لإبليس إلا وفيها أولياء له يعملون لله بطاعته. وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر روى ابن القاسم عن مالك قال بلغني عن ابن عباس أنه قال لا يزال لله تعالى في الأرض ولي ما دام فيها للشيطان ولي. وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في الزهد والخلال في كرامات الأولياء بسند صحيح على شرط الشيخين عن ابن عباس قال ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض، هذا أيضا له حكم الرفع.
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن زهير بن محمد قال لم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا لولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن مجاهد قال لم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعدا لولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج الإمام أحمد في الزهد عن كعب قال لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع بهم العذاب.
واخرج الخلال في كرامات الأولياء عن زادان قال ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعدا يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج ابن المنذر في تفسيره بسند صحيح عن ابن جريج في قوله (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) قال فلن يزال من ذرية إبراهيم صلى الله عليه وسلم ناس على الفطرة يعبدون الله وإنما وقع التقييد في هذه الآثار الثلاثة بقوله من بعد نوح لأنه من قبل نوح كان الناس كلهم على الهدى.
وأخرج البزار في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في تفاسيرهم والحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس في قوله تعالى (كان الناس أمة واحدة) قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين قال وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود كان الناس أمة واحدة فاختلفوا.
وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس في قوله كان الناس أمة واحدة قال على الإسلام كلهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا وكان أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض.
وأخرج ابن سعد في الطبقات من وجه آخر عن ابن عباس قال ما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام. وأخرج ابن سعد من طريق سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه عن عكرمة قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
وفي التنزيل حكاية عن نوح عليه السلام (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا) وولد نوح سام مؤمن بالإجماع والنص لأنه نجا مع أبيه في السفينة ولم ينج فيها إلا مؤمن.
وفي التنزيل (وجعلنا ذريته هم الباقين) بل ورد في أثر أنه كان نبيا أخرجه ابن سعد في الطبقات والزبير بن بكار في الموفقيات وابن عساكر في تاريخه عن الكلبي وولده ارفخشد صرح بإيمانه في أثر عن ابن عباس أخرجه ابن عبد الحكم في تاريخ مصر. وفيه أنه أدرك جده نوحا وأنه دعا له أن يجعل الله الملك والنبوة في ولده ولد ارفخشد إلى تارح ورد التصريح بإيمانهم في أثر، أخرج ابن سعد في الطبقات من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن نوحا عليه السلام لما هبط من السفينة هبط إلى قرية فبنى كل رجل منهم بيتا فسميت سوق الثمانين فغرق بنو قابيل كلهم وما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام فلما ضاقت بهم سوق الثمانين تحولوا إلى بابل فبنوها فكثروا بها حتى بلغوا مائة ألف وهم على الإسلام ولم يزالوا على الإسلام وهم ببابل حتى ملكهم نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح فدعاهم نمروذ إلى عبادة الأوثان ففعلوا، هذا لفظ هذا الأثر.
فعرف من مجموع هذه الآثار أن أجداد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين بيقين من آدم إلى زمن نمروذ. وفي زمنه كان إبراهيم عليه السلام وآزر فإن آزر والد إبراهيم فيستثنى من سلسلة النسب وأن كان عمه فلا استثناء. وهذا القول أعني أن آزر ليس أبا إبراهيم ورد عن جماعة من السلف. أخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) قال إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر وإنما كان تارح.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق بعضها صحيح عن مجاهد قال ليس آزر أبا إبراهيم. وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن ابن جريج في قوله (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) قال ليس آزر بابيه إنما هو إبراهيم بن تيرح أو تارح بن شاروخ بن ناحور بن فالخ.
وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن السدي أنه قيل له اسم أبي إبراهيم آزر فقال بل اسمه تارح. وقد وجه من حيث اللغة بأن العرب تطلق لفظ الأب على العم إطلاقا شائعا وإن كان مجازا، وفي التنزيل ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد آلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) فأطلق على إسماعيل لفظ الأب وهو عم يعقوب كما أطلق على إبراهيم وهو جده. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يقول الجد أب ويتلو (قالوا نعبد آلهك وإله آبائك الآية): وأخرج عن أبي العالية في قوله وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل قال سمي العم أبا. وأخرج عن محمد بن كعب
القرظي قال الخال والد والعم والد وتلا هذه الآية. فهذه أقوال السلف من الصحابة والتابعين في ذلك.
ويرشحه أيضا ما أخرجه ابن المنذر في تفسيره بسند صحيح عن سليمان بن صرد قال لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار جعلوا يجمعون الحطب حتى إن كانت العجوز لتجمع الحطب فلما أن أرادوا أن يلقوه في النار قال حسبي الله ونعم الوكيل فلما ألقوه قال الله (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) فقال عم إبراهيم من أجلي دفع عنه فأرسل الله عليه شرارة من النار فوقعت على قدمه فأحرقته. فقد صرح في هذا الأثر بعم إبراهيم وفيه فائدة أخرى وهو أنه هلك في أيام إلقاء إبراهيم في النار.
وقد أخبر الله سبحانه في القرآن بأن إبراهيم ترك الاستغفار له لما تبين له أنه عدو لله ووردت الآثار بأن ذلك تبين له لما مات مشركا وأنه لم يستغفر له بعد ذلك. أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس قال ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبين له أنه عدو لله فلم يستغفر له.
وأخرج عن محمد بن كعب وقتادة ومجاهد والحسن وغيرهم قالوا كان يرجوه في حياته فلما مات على شركه تبرأ منه ثم هاجر إبراهيم عقب واقعة النار إلى الشام كما نص الله على ذلك في القرآن ثم بعد مدة من مهاجره دخل مصر واتفق له فيها مع الجبار ما اتفق بسبب سارة وأخدمه هاجر ثم رجع إلى الشام ثم أمره الله أن ينقلها وولدها إسماعيل إلى مكة فنقلهما ودعا فقال (ربنا أني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) إلى قوله ( ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) فاستغفر لوالديه وذلك بعد هلاك عمه بمدة طويلة. فيستنبط من هذا أن الذكر في القرآن بالكفر والتبري من الاستغفار له هو عمه لا أبوه الحقيقي فلله الحمد على ما ألهم.
روى ابن سعد في الطبقات عن الكلبي قال هاجر إبراهيم من بابل إلى الشام وهو يومئذ ابن سبع وثلاثين سنة فأتى حران فأقام بها زمانا ثم أتى الأردن فأقام بها زمانا ثم خرج إلى مصر فأقام بها زمانا ثم رجع إلى الشام فنزل السبع أرضا بين ايلياء وفلسطين ثم أن بعض أهل البلد آذوه فتحول من عندهم فنزل منزلا بين الرملة وإيلياء. وروى ابن سعد عن الواقدي قال ولد لإبراهيم إسماعيل وهو ابن تسعين سنة فعرف من هذين الأثرين أن بين هجرته من بابل عقب واقعة النار وبين الدعوة التي دعا بها بمكة بضعا وخمسين سنة.
تتميم:
ثم استمر التوحيد في ولد إبراهيم وإسماعيل قال الشهرستاني في الملل والنحل كان دين إبراهيم قائما والتوحيد في صدر العرب شائعا وأول من غيره واتخذ عبادة الأصنام عمرو بن لحي.
قلت وقد صح بذلك الحديث:
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار كان أول من سيب السوائب. وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وإني رأيته يجر أمعاءه في النار.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير في تفسيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو لن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه بالنار أنه أول من غير دين إبراهيم - ولفظ ابن إسحاق أنه كان أول من غير دين إسماعيل- ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي، وله طريق أخرى. وأخرج البزار في مسنده بسند صحيح عن أنس قال كان الناس بعد إسماعيل على الإسلام وكان الشيطان يحدث الناس بالشيء يريد أن يردهم عن الإسلام حتى أدخل عليهم في التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك قال فما زال حتى أخرجهم عن الإسلام إلى الشرك.
قال السهيلي في الروض الأنف كان عمر بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت ونفت جرهم عن مكة قد جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم. وقد ذكر ابن إسحاق أنه أول من أدخل الأصنام الحرم وحمل الناس على عبادتها وكانت التلبية من عهد إبراهيم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك حتى كان عمرو بن لحي فبينما هو يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه فقال عمرو لبيك لا شريك لك فقال الشيخ إلا شريكا هو لك فأنكر ذلك عمرو وقال وما هذا فقال الشيخ قل تملكه وما مالك فإنه لا بأس بهذا فقالها عمرو ودانت بها العرب انتهى كلام السهيلي.
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه كانت العرب على دين إبراهيم إلى أن ولي عمرو بن عامر الخزاعي مكة وانتزع ولاية البيت من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم فأحدث عمرو المذكور عبادة الأصنام وشرع للعرب الضلالات من السوائب وغيرها وزاد في التلبية بعد قوله لبيك لا شريك لك قوله إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك فهو أول من قال ذلك وتبعته العرب على الشرك فشابهوا بذلك قوم نوح وسائر الأمم المتقدمة وفيهم على ذلك بقايا من دين إبراهيم. وكانت مدة ولاية خزاعة على البيت ثلثمائة سنة وكانت ولايتهم مشئومة إلى أن جاء قصي جد النبي صلى الله عليه وسلم فقاتلهم واستعان على حربهم بالعرب وانتزع ولاية البيت منهم إلا أن العرب بعد ذلك لم ترجع عما كان أحدثه لها عمرو الخزاعي من عبادة الأصنام وغير ذلك لأنهم رأوا ذلك دينا في نفسه لا ينبغي أن يغير انتهى.
فثبت أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم من عهد إبراهيم إلى زمان عمرو كلهم مؤمنون بيقين. ونأخذ في الكلام على الباقي وعلى زيادة توضيح لهذا القدر.
الأمر الثاني:
مما ينتصر به لهذا المسلك آيات وآثار وردت في ذرية إبراهيم وعقبه. الآية الأولى وهي أصرحها قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه) أخرج عبد بن حميد في تفسيره بسنده عن ابن عباس في قوله وجعلها كلمة باقية في عقبه قال لا إله إلا الله باقية في عقب إبراهيم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله وجعلها كلمة باقية في عقبه قال لا إله إلا الله. وقال عبد بن حميد حدثنا يونس عن شيبان عن قتادة في قوله وجعلها كلمة باقية في عقبه قال شهادة أن لا اله إلا الله والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها من بعده.
وقال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله وجعلها كلمة باقية في عقبه قال الإخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده أخرجه ابن المنذر ثم قال وقال ابن جريج في الآية في عقب إبراهيم فلم يزل بعد من ذرية إبراهيم من يوحد الله ويعبده أخرجه ابن المنذر ثم قال وقال ابن جريج في الآية في عقب إبراهيم فلم يزل بعد من ذرية إبراهيم من يقول لا إله إلا الله قال وقول آخر فلم يزل ناس من ذريته على الفطرة يعبدون الله حتى تقوم الساعة. وأخرج عبد بن حميد عن الزهري في الآية قال العقب ولده الذكور والإناث وأولاد الذكور. وأخرج عن عطاء قال العقب ولده وعصبته.
الآية الثانية:
قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام). أخرج ابن جرير في تفسيره عن مجاهد في هذه الآية قال فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته واستجاب الله له وجعل هذا البلد آمنا ورزق أهله من الثمرات وجعله إماما وجعل من ذريته من يقيم الصلاة. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن وهب بن منبه أن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فذكر الحديث بطوله في قصة البيت الحرام وفيه من قول الله لآدم في حق إبراهيم عليهما السلام واجعله أمة واحدا قانتا بأمري داعيا إلى سبيلي اجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم استجيب دعوته في ولده وذريته من بعده وأشفعه فيهم واجعلهم أهل ذلك البيت وولاته وحماته الحديث، هذا الأثر موافق لقول مجاهد المذكور آنفا ولاشك أن ولاية البيت كانت معروفة بأجداد النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر ذرية إبراهيم إلى أن انتزعها منهم عمرو الخزاعي ثم عادت إليهم فعرف أن كل ما ذكر عن ذرية إبراهيم فإن أولى الناس به سلسلة الأجداد الشريفة الذين خصوا بالاصطفاء وانتقل إليهم نور النبوة واحدا بعد واحد فهم أولى بأن يكونوا هم البعض المشار إليهم في قوله (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة أنه سئل هل عبد أحد من ولد إسماعيل الأصنام قال لا ألم تسمع قوله (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) قيل فكيف لم يدخل ولد إسحاق وسائر ولد إبراهيم قال لأنه دعا لأهل هذا البلد أن لا يعبدوا إذا أسكنهم إياه فقال اجعل هذا البلد آمنا ولم يدع لجميع البلد بذلك فقال (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) فيه وقد خص أهله وقال (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة). فانظر إلى هذا الجواب من سفيان بن عيينة وهو أحد الأئمة المجتهدين وهو شيخ إمامنا الإمام الشافعي رضي الله عنهما. الآية الثالثة قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي).
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) قال فلن يزال من ذرية إبراهيم ناس على الفطرة يعبدون الله. آية رابعة أخرج أبو الشيخ في تفسيره عن زيد بن علي قال قالت سارة لما بشرتها الملائكة (يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب) فقالت الملائكة ترد على سارة (أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) قال فهو كقوله (فجعلها كلمة باقية في عقبة) فحمد صلى الله عليه وسلم وآله من عقب إبراهيم داخل في ذلك وقد أخرج ابن حبيب في تاريخه عن ابن عباس قال كان عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة وأسد على ملة إبراهيم فلا تذكروهم إلا بخير. وذكر أبو جعفر الطبري وغيره أن الله أوحى إلى أرميا أن أذهب إلى بخت نصر فأعلمه أني قد سلطته على العرب وأمر الله أرميا أن يحتمل معه معد بن عدنان على البراق كي لا تصيبه النقمة فإني مستخرج من صلبه نبيا كريما أختم به الرسل ففعل ارميا ذلك واحتمل معد إلى أرض الشام فنشأ مع بني إسرائيل ثم عاد بعد أن هدأت الفتن.
وأخرج ابن سعد في الطبقات من مرسل عبد الله بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا مضر فإنه كان قد أسلم. وقال السهيلي في الروض الأنف في الحديث المروي لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مؤمنين.
قلت وقفت عليه مسندا فأخرجه أبو بكر محمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع في كتاب الغرر من الأخبار قال حدثنا إسحاق بن داود بن عيسى المروزي ثنا أبو يعقوب الشعراني ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا عثمان بن قايد عن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا ربيعة ولا مضر فإنهما كانا مسلمين. واخرج بسنده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا تميما وضبة فإنهما كانا مسلمين. وأخرج بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا قسا فإنه كان مسلما. ثم قال السهيلي ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمنا.
وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج. قال وكعب بن لؤي أول من جمع يوم العروبة وقيل هو أول من سماها الجمعة فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم بأتباعه والإيمان به وينشد في هذا أبياتا منها قوله:
يا ليتني شاهدا فحواء دعوته * إذا قريش تبغي الحق خذلانا
قال وقد ذكر الماوردي هذا الخبر عن كعب في كتاب الإعلام له انتهى. قلت هذا الخبر أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وفي آخره وكان بين موت كعب ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وستون سنة والماوردي المذكور هو أحد أئمة أصحابنا وهو صاحب الحاوي الكبير له كتاب أعلام النبوة في مجلد كثير الفوائد وقد رأيته وسأنقل منه في هذا الكتاب.
فحصل مما أوردناه أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم من عهد إبراهيم إلى كعب بن لؤي كانوا كلهم على دين إبراهيم وولد كعب مرة الظاهر أنه كذلك لأن أباه أوصاه بالإيمان وبقي بينه وبين عبد المطلب أربعة آباء وهم كلاب وقصي وعبد مناف وهاشم ولم أظفر فيهم بنقل لا بهذا ولا بهذا. وأما عبد المطلب ففيه ثلاثة أقوال: أحدها وهو الأشبه أنه لم تبلغه الدعوى لأجل الحديث الذي في البخاري وغيره. والثاني أنه كان على التوحيد وملة إبراهيم وهو ظاهر عموم كلام الإمام فخر الدين وما تقدم عن مجاهد وسفيان بن عيينة وغيرهما في تفسير الآيات السابقة. والثالث أن الله أحياه بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حتى آمن به وأسلم ثم مات حكاه ابن سيد الناس وهذا أضعف الأقوال وأسقطها
وأوهاها لأنه لا دليل عليه ولم يرد قط في حديث لا ضعيف ولا غيره ولا قال هذا القول أحد من أئمة السنة إنما حكوه عن بعض الشيعة ولهذا اقتصر غالب المصنفين على حكاية القولين الأولين وسكتوا عن حكاية الثالث لأن خلاف الشيعة لا يعتد به قال السهيلي في الروض الأنف وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل وابن أبي أمية فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال له أبو جهل وابن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فقال أنا على ملة عبد المطلب
قال فظاهر هذا الحديث يقتضي أن عبد المطلب مات على الشرك قال ووجدت في بعض كتب المسعودي اختلافا في عبد المطلب وأنه قد قيل فيه مات مسلما لما رأى من الدلائل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلم أنه لا يبعث إلا بالتوحيد فالله أعلم غير أن في مسند البزار وكتاب النسائي من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة وقد عزت قوما من الأنصار عن ميتهم لعلك بلغت معهم الكدى فقالت لا فقال لو كنت بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك قال وقد خرجه أبو داود ولم يذكر فيه حتى يراها جد أبيك قال وفي قوله جد أبيك ولم يقل جدك تقوية للحديث الضعيف الذي قدمنا ذكره أن الله أحيا أباه وأمه وآمنا به فالله أعلم. قال ويحتمل أنه أراد تخويفها بذلك لأن قوله صلى الله عليه وسلم حق وبلوغها معهم الكدى لا يوجب خلودا في النار هذا كله كلام السهيلي بحروفه.
وقال الشهرستاني في الملل والنحل ظهر نور النبي صلى الله عليه وسلم في أسارير عبد المطلب بعض الظهور وببركة ذلك النور الهم النذر في ذبح ولده وببركته كان يأمر ولده بترك الظلم والبغي ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيات الأمور وببركة ذلك النور كان يقول في وصاياه أنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة فقيل لعبد المطلب في ذلك ففكر وقال والله إن وراء هذا الدار دارا يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسيء بإساءته وببركة ذلك النور قال لأبرهة إن لهذا البيت ربا يحفظه ومنه قال وقد صعد أبا قبيس:
لا هم إن المرء يمنع * رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم * ومحالهم عدوا محالك
فانصر على آل الصليب * وعابديه اليوم آلك
انتهى كلام الشهرستاني، ويناسق ما ذكره ما أخرجه ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس قال كانت الدية عشرا من الإبل وعبد المطلب أول من سن دية النفس مائة من الإبل فجرت في قريش والعرب مائة من الإبل واقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وينضم إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انتسب إليه يوم حنين فقال:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب
وهذا أقوى ما تقوى به مقالة الإمام فخر الدين ومن وافقه لأن الأحاديث وردت في النهى عن الانتساب إلى الآباء الكفار. روى البيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي بن كعب ومعاذ بن جبل أن رجلين انتسبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما أنا فلان ابن فلان أنا فلان بن فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتسب رجلان على عهد موسى فقال أحدهما أنا فلان بن فلان إلى تسعة وقال الآخر أنا فلان بن فلان ابن الإسلام فأوحى الله إلى موسى هذان المنتسبان أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة آباء في النار فأنت عاشرهم في النار وأما أنت أيها المنتسب إلى اثنين فأنت ثالثهما في الجنة. وروى البيهقي أيضا عن أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وشرفا فهو عاشرهم في النار.
وروى البيهقي أيضا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحدح الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية. وروى البيهقي أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء لينتهين أقوام يفتخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وأوضح من ذلك في التقرير أن البيهقي أورد في شعب الإيمان حديث مسلم أن في أمتي أربعا من أمر الجاهلية ليسوا بتاركيهن الفخر في الأحساب - الحديث. وقال عقبة فإن عورض هذا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في اصطفائه من هاشم فقد قال الحليمي لم يرد بذلك الفخر إنما أراد تعريف منازل المذكورين ومراتبهم كرجل يقول كان أبي فقيها لا يريد به الفخر وإنما يريد به تعريف حاله دون ما عداه قال وقد يكون أراد به الإشارة بنعمة الله عليه في نفسه وآبائه على وجه الشكر وليس ذلك من الاستطالة والفخر في شيء انتهى. فقوله أراد تعريف منازل المذكورين ومراتبهم أو الإشارة بنعمة الله عليه في نفسه وآبائه على وجه الشكر فيه تقوية لمقالة الإمام وإجرائها على عمومها كما لا يخفى إذ الاصطفاء لا يكون إلا لمن هو على التوحيد ولا شك أن الترجيح في عبد المطلب بخصوصه عسر جدا لأن حديث البخاري مصادم قوي.
وأن أخذ في تأويله لم يوجد تأويل قريب والتأويل البعيد يأباه أهل الأصول ولهذا لما رأى السهيلي تصادم الأدلة فيه لم يقدر على الترجيح فوقف وقال فالله أعلم وهذا يصلح أن يعد قولا رابعا فيه وهو الوقف واكثر ما خطر لي في تأويل الحديث وجهان بعيدان فتركتهما وأما حديث النسائي فتأويله قريب وقد فتح السهيلي بابه وأن لم يستوفه وإنما سهل الترجيح في جانب عبد الله مع أن فيه معارضا قويا وهو حديث مسلم لأن ذاك سهل تأويله بتأويل قريب في غاية الجلاء والوضوح وقامت الأدلة على رجحان جانب التأويل فسهل المصير إليه والله أعلم.
ثم رأيت الإمام أبا الحسن الماوردي أشار إلى نحو ما ذكره الإمام فخر الدين إلا أنه لم يصرح كتصريحه فقال في كتابه أعلام النبوة لما كان أنبياء الله صفوة عباده وخيرة خلقه لما كلفهم من القيام بحقه والإرشاد لخلقه استخلصهم من أكرم العناصر واجتباهم بمحكم الأواصر فلم يكن لنسبهم من قدح ولمنصبهم من جرح لتكون القلوب لهم أصفى والنفوس لهم أوطا فيكون الناس إلى إجابتهم أسرع ولأوامرهم أطوع وأن الله استخلص رسوله صلى الله عليه وسلم من أطيب المناكح وحماه من دنس الفواحش ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام منزهة وقد قال ابن عباس في تأويل قول الله (وتقلبك في الساجدين) أي تقلبك من أصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبيا فكان نور النبوة ظاهرا في آبائه ثم لم يشركه في ولادته من أبويه أخ ولا أخت لانتهاء صفوتهما إليه وقصور نسبهما عليه ليكون مختصا بنسب جعله الله للنبوة غاية ولتفرده نهاية فيزول عنه أن يشارك فيه ويماثل فيه فلذلك مات عنه أبواه في صغره. فأما أبوه فمات وهو حمل وأما أمه فماتت وهو ابن ست سنين. وإذا خبرت حال نسبه وعرفت طهارة مولده علمت أنه سلالة آباء كرام ليس في آبائه مسترذل ولا مغموز مستبذل بل كلهم سادة قادة وشرف النسب وطهارة المولد من شروط النبوة انتهى كلام الماوردي بحروفه.
وقال أبو جعفر النحاس في معاني القرآن في قوله (وتقلبك في الساجدين) روى عن ابن عباس أنه قال تقلبه في الظهور حتى أخرجه نبيا. وما أحسن قول الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله تعالى:
تنقل أحمد نورا عظيما * تلألأ في جباه الساجدينا
تقلب فيهم قرنا فقرنا * إلى أن جاء خير المرسلينا
وقال أيضا:
حفظ الآله كرامة لمحمد * آباءه الأمجاد صونا لاسمه
تركوا السفاح فلم يصبهم عاره * من آدم وإلى أبيه وأمه
وقال الشرف البوصيري صاحب البردة:
كيف ترقى رقيك الأنبياء * يا سماء ما طاولتها سماء
لم يساووك في علاك وقد حا * ل سنى منك دونهم وسناء
إنما مثلوا صفاتك للناس * كما مثل النجوم الماء
أنت مصباح كل فضل فما تصدر * إلا عن ضوئك الأضواء
لك ذات العلوم من عالم الغيب * ومنه لآدم الأسماء
لم تزل في ضمائر الغيب تختار * لك الأمهات والآباء
ما مضت فترة من الرسل إلا * بشرت قومها بك الأنبياء
تتباهى بك العصور وتسمو * بك علياء بعدها علياء
وبدا للوجود منك كريم * من كريم آباؤه كرماء
نسب تحسب العلا بحلاه * قلدتها نجومها الجوزاء
ومنها:
فهنيئا به لآمنة الفضل * الذي شرفت به حواء
من لحواء أنها حملت أحمد * أو أنها به نفساء
يوم نالت بوضعه ابنة وهب * من فخار ما لم تنله النساء
فأتت قومها بأفضل مما * حملت قبل مريم العذراء
" فائدة": قال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبي ثنا موسى بن أيوب النصيبي ثنا ضمرة عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين آدم تسعة وأربعون أبا. الأمر الثالث: أثر ورد في أم النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة بسند ضعيف من طريق الزهري عن أم سماعة بنت أبي رهم عن أمها قالت شهدت آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم في علتها التي ماتت فيها ومحمد غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه ثم قالت:
بارك فيك الله من غلام * يا ابن الذي من حرمة الحمام
نجا بعون الملك المنعام * فودى غداة الضرب بالسهام
بمائة من إبل سوام * أن صح ما أبصرت في المنام
فأنت مبعوث إلى الأنام * من عند ذي الجلال والإكرام
تبعث في الحل وفي الإحرام * تبعث بالتحقيق والإسلام
دين أبيك البر إبراهام * فالله أنهاك عن الأصنام
أن لا تواليها مع الأقوام
ثم قالت كل حي ميت وكل جديد بال وكل كبير يفنى وأنا ميتة وذكرى باق وقد تركت خيرا وولدت طهرا ثم ماتت فكنا نسمع نوح الجن عليها فحفظنا من ذلك:
نبكي الفتاة البرة الأمينة * ذات الجمال العفة الرزينه
زوجة عبد الله والقرينة * أم نبي الله ذي السكينة
وصاحب المنبر بالمدينة * صارت لدى حفرتها رهينة.
فأنت ترى هذا الكلام منها صريحا في النهى عن موالاة الأصنام مع الأقوام والاعتراف بدين إبراهيم ويبعث ولدها إلى الأنام من عند ذي الإجلال والإكرام بالإسلام. وهذه الألفاظ منافية للشرك وقولها تبعث بالتحقيق كذا هو في النسخة وعندي أنه تصحيف وإنما هو بالتخفيف ثم إني استقرأت أمهات الأنبياء عليهم السلام فوجدتهن مؤمنات فأم إسحاق وموسى وهرون وعيسى وحواء أم شيث مذكورات في القرآن بل قيل بنبوتهن ووردت الأحاديث بإيمان هاجر أم إسماعيل وأم يعقوب وأمهات أولاده وأم داود وسليمان وزكريا ويحيى وشمويل وشمعون وذي الكفل. ونص بعض المفسرين على إيمان أم نوح وأم إبراهيم ورجحه أبو حيان في تفسيره.
وقد تقدم عن ابن عباس أنه لم يكن بين نوح وآدم والد كافر ولهذا قال (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا) وقال إبراهيم (رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) ولم يعتذر عن استغفار إبراهيم في القرآن إلا لأبيه خاصة دون أمه فدل على أنها كانت مؤمنة. وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس قال كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة نوح. وهود. وصالح. ولوط. وشعيب. وإبراهيم. وإسماعيل. وإسحاق. ويعقوب. ومحمد عليهم السلام. وبنو إسرائيل كلهم كانوا مؤمنين لم يكن فيهم كافر إلى أن بعث عيسى فكفر به من كفر فأمهات الأنبياء الذين من بني إسرائيل كلهم مؤمنات. وأيضا فغالب أنبياء نبي إسرائيل كانوا أولاد أنبياء أو أولاد أولادهم فإن النبوة كانت تكون في سبط منهم يتناسلون كما هو معروف في أخبارهم.
وأما العشرة المذكورون من غير بني إسرائيل فقد ثبت إيمان أم نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وبقي أم هود وصالح ولوط وشعيب يحتاج إلى نقل أو دليل والظاهر إن شاء الله تعالى إيمانهن
فكذلك أم النبي صلى الله عليه وسلم وكان السر في ذلك ما يرينه من النور كما ورد في الحديث. أخرج أحمد والبزار والطبراني والحاكم والبيهقي عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني عبد الله لخاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وأن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام.
ولا شك أن الذي رأته أم النبي صلى الله عليه وسلم في حال حملها به وولادتها له من الآيات أكثر وأعظم مما رآه سائر أمهات الأنبياء كما سقنا الأخبار بذلك في كتاب المعجزات. وقد ذكر بعضهم أنه لم ترضعه مرضعة إلا أسلمت قال ومرضعاته أربع أمه وحليمة السعدية وثويبة وأم ايمن انتهى. فإن قلت فما تصنع بالأحاديث الدالة على كفرها وأنها في النار وهي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت (ولا تسال عن أصحاب الجحيم) وحديث أنه استغفر لأمه فضرب جبريل في صدره وقال لا تستغفر لمن مات مشركا، وحديث أنه نزل فيها (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) وحديث أنه قال لابني مليكة أمكما في النار فشق عليهما فدعاهما فقال إن أمي مع أمكما.
قلت الجواب أن غالب ما يروى من ذلك ضعيف ولم يصح في أم النبي صلى الله عليه وسلم سوى حديث أنه استأذن في الاستغفار لها فلم يؤذن له ولم يصح أيضا في أبيه إلا حديث مسلم خاصة. وسيأتي الجواب عنهما. وأما الأحاديث التي ذكرت فحديث ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت الآية لم يخرج في شيء من الكتب المعتمدة.
وإنما ذكر في بعض التفاسير بسند منقطع لا يحتج به ولا يعول عليه ولو جئنا نحتج بالأحاديث الواهية لعارضناك بحديث واه أخرجه ابن الجوزي من حديث علي مرفوعا هبط جبريل علي فقال إن الله يقرئك السلام ويقول إني حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك ويكون من باب معارضة الواهي بالواهي إلا أنا لا نرى ذلك ولا نحتج به، ثم إن هذا السبب مردود بوجوه أخرى من جهة الأصول والبلاغة وأسرار البيان وذلك أن الآيات من قبل هذه الآية ومن بعدها كلها في اليهود من قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون) إلى قوله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) ولهذا ختمت القصة بمثل ما صدرت به وهو قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) الآيتين فتبين أن المراد بأصحاب الجحيم كفار أهل الكتاب.
وقد ورد ذلك مصرحا به في الأثر:
أخرج عبد بن حميدو الفريابي وابن جرير وابن المنذر في تفاسيرهم عن مجاهد قال من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين ومن أربعين آية إلى عشرين ومائة في بني إسرائيل إسناده صحيح. ومما يؤكد ذلك أن السورة مدنية وأكثر ما خوطب فيها اليهود. ويرشح ذلك من حيث المناسبة أن الجحيم اسم لما عظم من النار كما هو مقتضى اللغة والآثار.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله تعالى أصحاب الجحيم قال الجحيم ما عظم من النار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله تعالى (لها سبعة أبواب) قال أولها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية قال والجحيم فيها أبو جهل إسناده صحيح أيضا فاللائق بهذه المنزلة من عظم كفره واشتد وزره وعاند عند الدعوة وبدل وحرف وجحد بعد علم لا من هو بمظنة التخفيف وإذا كان قد صح في أبي طالب أنه أهون أهل النار عذابا لقرابته منه صلى الله عليه وسلم وبره به مع اداركه الدعوة وامتناعه من الإجابة وطول عمره فما ظنك بأبويه اللذين هما أشد منه قربا وآكد حبا وابسط عذرا وأقصر عمرا فمعاذ الله أن يظن بهما انهما في طبقة الجحيم وأن يشدد عليهما العذاب العظيم هذا لا يفهمه من له أدنى ذوق سليم. وأما حديث أن جبريل ضرب في صدره وقال لا تستغفر لمن مات مشركا فإن البزار أخرجه بسند فيه من لا يعرف.
وأما نزول الآية في ذلك فضعيف أيضا والثابت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب وقوله صلى الله عليه وسلم له لاستغفرن لك مالم أنه عنك.
وأما حديث أمي مع أمكما فأخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح. وشأن المستدرك في تساهله في التصحيح معروف وقد تقرر في علوم الحديث أنه لا يقبل تفرده بالتصحيح. ثم إن الذهبي في مختصر المستدرك لما أورد هذا الحديث ونقل قول الحاكم صحيح قال عقبه قلت لا والله فعثمان بن عمير ضعفه الدار قطني فبين الذهبي ضعف الحديث وحلف عليه يمينا شرعيا وإذا لم يكن في المسالة إلا أحاديث ضعيفة كان للنظر في غيرها مجال.
"الأمر الرابع": مما ينتصر به لهذا المسلك أنه قد ثبت عن جماعة كانوا في زمن الجاهلية أنهم تحنفوا وتدينوا بدين إبراهيم عليه السلام وتركوا الشرك فما المانع أن يكون أبوا النبي صلى الله عليه وسلم سلكوا سبيلهم في ذلك. قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في التلقيح تسمية من رفض عبادة الأصنام في الجاهلية: أبو بكر الصديق، زيد بن عمرو بن نفيل، عبيد الله بن جحش، عثمان بن الحويرث ورقة بن نوفل، رياب بن البراء، اسعد أبو كريب الحميري، قس بن ساعدة الأيادي، أبو قس بن صرمة انتهى. وقد وردت الأحاديث بتحنف زيد بن عمرو وورقة وقس، وقد روى ابن إسحاق وأصله في الصحيح تعليقا عن أسماء بنت أبي بكر قالت لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مستندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معشر قريش ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ثم يقول اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم. قلت وهذا يؤيد ما تقدم في المسلك الأول أنه لم يبق إذ ذاك من يبلغ الدعوة ويعرف حقيقتها على وجهها. وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن عمرو بن عبسة السلمي رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها الباطل يعبدون الحجارة.
وأخرج البيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل من طريق الشعبي عن شيخ من جهينة أن عمير بن حبيب الجهني ترك الشرك في
الجاهلية وصلى لله وعاش حتى أدرك الإسلام. وقال إمام الأشاعرة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو بكر ما زال بعين الرضا منه فاختلف الناس في مراده بهذا الكلام فقال بعضهم أن الأشعري يقول أن أبا بكر الصديق كان مؤمنا قبل البعثة وقال آخرون بل أراد أنه لم يزل بحالة غير مغضوب فيها عليه لعلم الله تعالى بأنه سيؤمن ويصير من خلاصة الأبرار.
قال الشيخ تقي الدين السبكي لو كان هذا مراده لاستوى الصديق وسائر الصحابة في ذلك. وهذه العبارة التي قالها الأشعري في حق الصديق لم تحفظ عنه في حق غيره فالصواب أن يقال أن الصديق لم يثبت عنه حالة كفر بالله فلعل حاله قبل البعث كحال زيد بن عمرو بن نفيل وأقرانه فلهذا خصص الصديق بالذكر عن غيره من الصحابة انتهى كلام السبكي.
قلت وكذلك نقول في حق أبوي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما لم يثبت عنهما حالة كفر بالله فلعل حالهما كحال زيد بن عمرو بن نفيل وأبي بكر الصديق وأضرابهما مع أن الصديق وزيد بن عمرو إنما حصل لهما التحنف في الجاهلية ببركة النبي صلى الله عليه وسلم فإنهما كانا صديقين له قبل البعثة وكانا يوادانه كثيرا فأبوانه أولى بعود بركته عليهما وحفظهما مما كان عليه أهل الجاهلية. فإن قلت بقيت عقدة واحدة وهي ما رواه مسلم عن أنس أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي قال في النار فلما قفى دعاه فقال إن أبي وأباك في النار، وحديث مسلم وأبي داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم استأذن في الاستغفار لأمه فلم يؤذن له فاحلل هذه العقدة. قلت على الرأس والعين: الجواب أن هذه اللفظة وهي قوله أن أبي وأباك في النار لم يتفق على ذكرها الرواة وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وهي الطريق التي رواه مسلم منها وقد خالفه معمر عن ثابت فلم يذكر أن أبي وأباك في النار ولكن قال له إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار.
وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلم بأمر البتة وهو أثبت من حيث الرواية فإن معمر اثبت من حماد فإن حمادا تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه وكان حماد لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئا ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت قال الحاكم في المدخل ما خرج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد خرج له في الشواهد عن طائفة؟ وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت، ثم وجدنا الحديث ورد من حديث سعد بن أبي وقاص بمثل لفظ رواية معمر عن ثابت عن أنس فأخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين أبي قال في النار قال فأين أبوك قال حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار.
وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعين الاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره. وقد زاد الطبراني والبيهقي في آخره قال فاسلم الأعرابي بعد فقال لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار. وقد أخرج ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم وكان فأين هو قال في النار قال فكأنه وجد من ذلك فقال يا رسول الله فأين أبوك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مررت بقبر مشرك فبشره بالنار قال فأسلم الأعرابي بعد قال لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار. فهذه الزيادة أوضحت بلا شك أن هذا اللفظ العام هو الذي صدر منه صلى الله عليه وسلم ورآه الأعرابي بعد إسلامه أمرا مقتضيا للامتثال فلم يسعه إلا امتثاله ولو كان الجواب باللفظ الأول لم يكن فيه أمر بشيء البتة فعلم أن هذا اللفظ الأول من تصرف الراوي رواه بالمعنى على حسب فهمه.
وقد وقع في الصحيحين روايات كثيرة من هذا النمط فيها لفظ تصرف فيه الراوي وغيره أثبت منه كحديث مسلم عن أنس في نفي قراءة البسملة. وقد أعله الإمام الشافعي رضي الله عنه بذلك وقال إن الثابت من طريق آخر نفى سماعها ففهم منه الراوي نفي قراءتها فرواه بالمعنى على ما فهمه فأخطأ ونحن أجبنا عن حديث مسلم في هذا المقام بنظير ما أجاب به إمامنا الشافعي رضي الله عنه عن حديث مسلم في نفي قراءة البسملة. ثم لو فرض اتفاق الرواة على اللفظ الأول كان معارضا بما تقدم من الأدلة والحديث الصحيح إذا عارضه أدلة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلة عليه كما هو مقرر في الأصول. وبهذا الجواب الأخير يجاب عن حديث عدم الأذن في الاستغفار لأمه على أنه يمكن فيه دعوى عدم الملازمة بدليل أنه كان في صدر الإسلام ممنوعا من الصلاة على من عليه دين وهو مسلم فلعله كانت عليها تبعات غير الكفر فمنع من الاستغفار لها بسببها. والجواب الأول اقعد وهذا تأويل في الجملة.
ثم رأيت طريقا أخرى للحديث مثل لفظ رواية معمر وأزيد وضوحا وذلك أنه صرح فيه بأن السائل أراد أن يسأل عن أبيه صلى الله عليه وسلم فعدل عن ذلك تجملا وتأدبا. فأخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن لقيط بن عامر أنه خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق فقال قدمنا المدينة لانسلاخ رجب فصلينا معه صلاة الغداة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا فذكر الحديث إلى أن قال فقلت يا رسول الله هل أحد ممن مضى منا في جاهلية من خير فقال رجل من عرض قريش أن أباك المنتفق في النار فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل فقلت وأهلك يا رسول الله فقال ما أتيت عليه من قبل قرشي أو عامري مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك. هذه رواية لا إشكال فيها وهي أوضح الروايات وأبينها.
"تقرير آخر": ما المانع أن يكون قول السائل فأين أبوك وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس أن أبي أن ثبت المراد به عمه أبو طالب لا أبوه عبد الله كما قال بذلك الإمام فخر الدين في أبي إبراهيم أنه عمه وقد تقدم نقله عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج والسدي. ويرشحه هنا أمران: الأول أن إطلاق ذلك على أبي طالب كان شائعا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولذا كانوا يقولون له قل لابنك يرجع عن شتم آلهتنا وقال لهم أبو طالب مرة لما قالوا له أعطنا ابنك نقتله وخذ هذا الولد مكانه أعطيكم ابني تقتلونه وآخذ ابنكم أكفله لكم ولما سافر أبو طالب إلى الشام ومعه النبي صلى الله عليه وسلم نزل له بحيرا فقال له ما هذا منك قال هو ابني فقال ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا فكانت تسمية أبي طالب أبا للنبي صلى الله عليه وسلم شائعة عندهم لكونه عمه وكونه رباه وكفله من صغره وكان يحوطه ويحفظه وينصره فكان مظنة السؤال عنه.
والأمر الثاني أنه وقع في حديث يشبه هذا ذكر أبي طالب في ذيل القصة، أخرج الطبراني عن أم سلمة أن الحارث بن هشام أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع فقال يا رسول الله إنك تحث على صلة الرحم والإحسان إلى الجار وإيواء اليتيم وإطعام الضيف وإطعام المسكين وكل هذا كان يفعله هشام بن المغيرة فما ظنك به يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قبر لا يشهد صاحبه أن لا إله إلا الله فهو جذوة من النار. وقد وجدتعمي أبا طالب في طمطتم من النار فأخرجه الله لمكانه مني وإحسانه إليّ فجعله في ضحضاح من النار.
(تنبيه): قد استراح جماعة من هذه الأجوبة كلها وأجابوا عن الأحاديث الواردة فيها منسوخة كما أجابوا عن الأحاديث الواردة في أطفال المشركين أنهم في النار وقالوا الناسخ لأحاديث أطفال المشركين قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ولأحاديث الأبوين قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ومن اللطائف كون الجملتين في الفريقين مقترنتين في آية واحدة متعاطفتين متناسقتين في النظم، وهذا الجواب مختصر مفيد يغني عن كل جواب إلا أنه إنما يتأتى على المسلك الأول دون الثاني كما هو واضح فلهذا احتجنا إلى تحرير الأجوبة عنها على المسلك الثاني.
"تتمة" قد ثبت في الحديث الصحيح أن أهون أهل النار عذابا أبو طالب وانه في ضحضاح من النار في رجليه نعلان يغلي منهما دماغه. وهذا مما يدل على أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ليسا في النار لأنهما لو كان فيها لكانا أهون عذابا من أبي طالب لأنهما أقرب منه مكانا وأبسط عذرا فإنهما لم يدركا البعثة ولا عرض عليهما الإسلام فامتنعا بخلاف أبي طالب وقد أخبر الصادق المصدوق أنه أهون أهل النار عذابا فليس أبواه من أهلها، وهذا يسمى عند أهل الأصول دلالة الإشارة.
(نصب ميداني جدلي):
المجادلون في هذا الزمان كثير خصوصا في هذه المسألة وأكثرهم ليس لهم معرفة بطرق الاستدلال فالكلام معهم ضائع غير أني أنظر الذي يجادل وأكلمه بطريقة تقرب من ذهنه فإنه أكثر ما عنده أن يقول الذي ثبت في صحيح مسلم يدل على خلاف ما تقول.
فإن كان الذي يجادل بذلك من أهل مذهبنا شافعي المذهب أقول له:
قد ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يقرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وأنت لا تصحح الصلاة بدون البسملة وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون وأنت إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده تقول سمع الله لمن حمده مثله وإذا صلى جالسا لعذر وأنت قادر تصلي خلفه قائما لا جالسا. وثبت في الصحيحين في حديث التيمم إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه ضربة واحدة ومسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وأنت لا تكتفي في التيمم بضربة واحدة ولا بالمسح إلى الكوعين فكيف خالفت الأحاديث التي تثبتت في الصحيحين أو أحدهما فلابد إن كانت عنده رائحة من العلم أن يقول قامت أدلة أخرى معارضة لهذه فقدمت عليها. فأقول له وهذا مثله لا يحتج عليه إلا بهذه الطريقة فإنها ملزمة له ولأمثاله.
وإن كان المجادل مالكي المذهب أقول له:
قد ثبت في الصحيحين البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وأنت لا تثبت خيار المجلس وثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ولم يمسح كل رأسه وأنت توجب في الوضوء مسح كل الرأس فكيف خالفت ما ثبت في الصحيح فيقول قامت أدلة أخرى معارضة له فقدمت عليه. فأقول له وهذا مثله.
وإن كان المجادل حنفي المذهب أقول له:
قد ثبت في الصحيح إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا وأنت لا تشرط في النجاسة الكلبية سبعا وثبت في الصحيحين لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وأنت تصحح الصلاة بدونها وثبت في الصحيحين ثم ارفع حتى تعتدل قائما وأنت تصحح الصلاة بدون الطمأنينة في الاعتدال وصح في الحديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا وأنت لا تعتبر القلتين وصح في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم باع المدبر وأنت لا تقول ببيع المدبر فكيف خالفت هذه الأحاديث الصحيحة. فيقول قامت أدلة أخرى معارضة لها تقدمت عليها. فأقول له وهذا مثله.
وإن كان المجادل حنبلي المذهب أقول له:
قد ثبت في الصحيحين من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم وثبت فيهما لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين وأنت تقول بصيام يوم الشك فكيف خالفت ما ثبت في الصحيحين فيقول قامت أدلة أخرى معارضة له فقدمت عليه. فأقول له وهذا مثله.
هذا أقرب ما يقرب به لأذهان الناس اليوم. وإن كان المجادل ممن يكتب الحديث ولا فقه عنده يقال له قد قالت الأقدمون المحدث بلا فقه كعطار غير طبيب فالأدوية حاصلة في دكانه ولا يدري لماذا تصلح والفقيه بلا حديث كطبيب ليس بعطار يعرف ما تصلح له الأدوية إلا أنها ليست عنده.
وإني بحمد الله قد اجتمع عندي الحديث والفقه والأصول وسائر الآلات من العربية والمعاني والبيان وغير ذلك فأنا أعرف كيف أتكلم وكيف أقول وكيف استدل وكيف ارجح وأما أنت يا أخي وفقني الله وإياك فلا يصلح لك ذلك لأنك لا تدري الفقه ولا الأصول ولا شيئا من الآلات والكلام في الحديث والاستدلال به ليس بالهين ولا يحل الإقدام على التكلم فيه لمن لم يجمع هذه العلوم فاقتصر على ما آتاك الله وهو أنك إذا سئلت عن حديث تقول ورد أو لم يرد وصححه الحفاظ وحسنوه وضعفوه ولا يحل لك في الإفتاء سوى هذا القدر وخل ما عدا ذلك لأهله:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله * لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وثم أمر آخر أخاطب به كل ذي مذهب من مقلدي المذاهب الأربعة وذلك أن مسلما روى في صحيحه عن ابن عباس أن الطلاق الثلاث كان يجعل واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من أمارة عمر. فأقول لكل طالب علم هل تقول أنت بمقتضى هذا الحديث وأن من قال لزوجته أنت طالق ثلاثا تطلق واحدة فقط فإن قال نعم أعرضت عنه وإن قال لا أقول له فكيف تخالف ما ثبت في صحيح مسلم فإن قال لما عارضه أقول له فاجعل هذا مثله والمقصود من سياق هذا كله أنه ليس كل حديث في صحيح مسلم يقال بمقتضاه لوجود المعارض له.
(المسلك الثالث):
أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا به. وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدثين وغيرهم منهم ابن شاهين والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري والعلامة ناصر الدين بن المنير وغيرهم واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ والخطيب البغدادي في السابق واللاحق والدار قطني وابن عساكر كلاهما في غرائب مالك بسند ضعيف عن عائشة قالت حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فمر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم فنزل فمكث عني طويلا ثم عاد إلي وهو فرح مبتسم فقلت له فقال ذهبت لقبر أمي فسالت الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردها الله.
هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدثين بل قيل إنه موضوع لكن الصواب ضعفه لا وضعه وقد ألفت في بيان ذلك جزءا مفردا، وأورد السهيلي في الروض الأنف بسند قال أن فيه مجهولين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما له فآمنا به ثم أماتهما. وقال السهيلي بعد إيراده الله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل أن يختص بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته.
وقال القرطبي لا تعارض بين حديث الأحياء وحديث النهي عن الاستغفار فإن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل حديث عائشة أن ذلك كان في حجة الوداع ولذلك جعله ابن شاهين ناسخا لما ذكر من الأخبار. وقال العلامة ناصر الدين بن المنير المالكي في كتاب المقتفى في شرف المصطفى قد وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم إحياء الموتى نظير ما وقع لعيسى بن مريم إلى أن قال وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما منع من الاستغفار للكفار دعا الله أن يحي له أبويه فأحياهما له فآمنا به وصدقا وماتا مؤمنين. وقال القرطبي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل تتوالى وتتابع إلى حين مماته فيكون هذا مما فضله الله به وأكرمه قال وليس إحياؤهما وإيمانهما به يمتنع عقلا ولا شرعا
فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله وكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى وكذلك نبينا عليه الصلاة والسلام أحيا الله على يديه جماعة من الموتى قال وإذا ثبت هذا فما يمتنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة كرامة في فضيلته. وقال الحافظ فتح الدين بن سيد الناس في سيرته بعد ذكر قصة الأحياء والأحاديث الواردة في التعذيب وذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل راقيا في المقامات السنية صاعدا في الدرجات العلية إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه وأزلفه بما خصه به لديه من الكرامة حين القدوم عليه فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله عليه وسلم بعد أن لم تكن وأن يكون الأحياء والإيمان متأخرا عن تلك الأحاديث فلا تعارض انتهى.
وقد أشار إلى ذلك بعض العلماء فقال بعد إيراده خبر حلمه خبر حليمة وما أسره صلى الله عليه وسلم إليها حين قدومها عليه:
هذا جزاء الأم عن إرضاعه * لكن جزاء الله عنه عظيم
وكذاك أرجو أن يكون لأمه * عن ذاك آمنة يد ونعيم
ويكون أحياها الآله وآمنت * بمحمد فحديثها معلوم
فلربما سعدت به أيضا كما * سعدت به بعد الشقاء حليم
وقال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى مورد الصادي في مولد الهادي بعد إيراد الحديث المذكور منشدا لنفسه:
حبا الله النبي مزيد فضل * على فضل وكان به رؤوفا
فأحيا أمه وكذا أباه * لإيمان به فضلا لطيفا
فسلم فالقديم بذا قدير * وإن كان الحديث به ضعيفا
(خاتمة)
وجمع من العلماء لم تقو عندهم هذه المسالك فأبقوا حديثي مسلم ونحوهما على ظاهرهما من غير عدول عنها بدعوى نسخ ولا غيره ومع ذلك قالوا لا يجوز لأحد أن يذكر ذلك. قال السهيلي في الروض الأنف بعد إيراده حديث مسلم وليس لنا نحن أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وسلم لقوله "لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات" وقال تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله) الآية. وسئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية عن رجل قال أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار. فأجاب بأن من قال ذلك فهو ملعون لقوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) قال ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه إنه في النار. ومن العلماء من ذهب إلى قول خامس وهو الوقف، قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني في كتابه الفجر المنير الله أعلم بحال أبويه.
وقال الباجي في شرح الموطأ قال بعض العلماء: أنه لا يجوز أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بفعل مباح ولا غيره، وأما غيره من الناس فيجوز أن يؤذي بمباح وليس لنا المنع منه ولا يأثم فاعل المباح وأن وصل بذلك أذى إلى غيره قال ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم إذ أراد علي بن أبي طالب أن يتزوج ابنة أبي جهل إنما فاطمة بضعة مني وإني لا احرم ما أحل الله ولكن والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل أبدا فجعل حكمهما في ذلك أنه لا يجوز أن يؤذى بمباح واحتج على ذلك بقوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله) الآيتين فشرط على المؤمنين أن يؤذوا بغير ما اكتسبوا وأطلق الأذى في خاصة النبي صلى الله عليه وسلم من غير شرط انتهى.
واخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق يحيى بن عبد الملك بن أبي أغنية قال حدثنا نوفل بن الفرات وكان عاملا لعمر بن عبد العزيز قال كان رجل من كتاب الشام مأمونا عندهم استعمل رجلا على كورة الشام وكان أبوه يزن بالمنانية فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال ما حملك على أن تستعمل رجلا على كورة من كور المسلمين كان أبوه يزن بالمنانية قال أصلح الله أمير المؤمنين وما على كان أبوه النبي صلى الله عليه وسلم مشركا فقال عمر آه ثم سكت ثم رفع رأسه فقال أأقطع لسانه أأقطع يده ورجله أأضرب عنقه ثم قال لا تلى لي شيئا ما بقيت. وقد سئلت أن أنظم في هذه المسالة أبياتا أختم بها هذا التأليف فقلت:
إن الذي بعث النبي محمد=أنجى به الثقلين مما يجحف
ولأمه وأبيه حكم شائع= أبداه أهل العلم فيما صنفوا
فجماعة أجروهما مجرى الذي=لم يأته خبر الدعاة المسعف
والحكم فيمن لم تجئه دعوة=أن لا عذاب عليه حكم يؤلف
فبذاك قال الشافعية كلهم=والأشعرية ما بهم متوقف
وبسورة الإسراء فيه حجة=وبنجو ذا في الذكر آى تعرف
ولبعض أهل الفقه في تعليله=معنى أرق من النسيم وألطف
ونحا الإمام الفخر رازي الورى=منحى به للسامعين تشنف
إذ هم على الفطر التي ولدوا ولم=يظهر عناد منهم وتخلف
قال الأولى ولدوا النبي المصطفى=كل على التوحيد إذ يتحنف
من آدم لأبيه عبد الله ما=فيهم أخو شرك ولا مستنكف
فالمشركون كما بسورة توبة=نجس وكلهم بطهر يوصف
وبسورة الشعراء فيه تقلب=في الساجدين فكلهم متحنف
هذا كلام الشيخ فخر الدين في=أسراره هطلت عليه الذرف
فجزاه رب العرش خير جزائه=وحباه جنات النعيم تزخرف
فلقد تدين في زمان الجاهلية=فرقة دين الهدى وتحنفوا
زيد بن عمر وابن نوفل هكذا=الصديق ما شرك عليه يعكف
قد فسر السبكي بذاك مقالة=للأشعري وما سواه مزيف
إذ لم تزل عين الرضا منه على=الصديق وهو بطول عمر أحنف
عادت عليه صحبة الهادي فما=في الجاهلية بالضلالة يقرف
فلأمه وأبوه أحرى سيما=ورأت من الآيات ما لا يوصف
وجماعة ذهبوا إلى إحيائه=أبويه حتى آمنا لا خوفوا
وروى ابن شاهين حديثا مسندا=في ذاك لكن الحديث مضعف
هذي مسالك لو تفرد بعضها=لكفى فكيف بها إذا تتألف
وبحسب من لا يرتضيها صمته=أدبا ولكن أين من هو منصف
صلى الآله على النبي محمد=ما جدد الدين الحنيف محنف
(حديث متعلق بهما)قال البيهقي في شعب الإيمان أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا يحيى بن جعفر أنا زيد بن الحباب أنا يس بن معاذ ثنا عبد الله بن قريد عن طلق بن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أدركت والدي أو أحدهما وأنا في صلاة العشاء وقد قرأت فيها بفاتحة الكتاب تنادي يا محمد لأجبتها لبيك. قال البيهقي: يس بن معاذ ضعيف.
(فائدة) قال الأزرقي في تاريخ مكة حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن هشام بن عاصم الأسلمي قال لما خرجت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فنزلوا بالأبواء قالت هند ابنة عتبة لأبي سفيان بن حرب لو بحثتم قبر آمنة أم محمد فإنه بالأبواء فإن اسر أحدكم افتديتم به كل إنسان بارب من أرابها فذكر ذلك أبو سفيان لقريش فقالت قريش لا تفتح علينا هذا الباب إذا تبحث بنو بكر موتانا.
(فائدة) من شعر عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم أورده الصلاح الصفدي في تذكرته:
لقد حكم السارون في كل بلدة * بأن لنا فضلا على سادة الأرض
وإن أبي ذو المجد والسؤدد الذي * يشار به ما بين نشر إلى خفض
وجدي وآباء له اثلوا العلا * قد يما بطيب العرق والحسب المحض
(فائدة)قال الإمام موفق الدين بن قدامه الحنبلي في المقنع ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما كان أو كافرا.
تم بحمد الله
__________________
يا سيد الخلق حالى انت تعلمه ومن سواك لهذا العبد يرحمه
بحق جاهك عند الله خذ بيدى فمن اتاك فقيرا لست تحرمه
ومن اتى غيركم فالله يحرمه ومن اتى بابكم فالسعد يخدمه
Tidak ada komentar:
Posting Komentar